حكمة الجدة

حكمة الجدة


التربيه نوع من أنواع الفنون التي تحتاج إلى الخبره والمهاره والتدريب والتشجيع والمحبه ولا يستطيع أن يصل إلى القدره على تربيه النشء إلا من كان لديه الصبر والمحبه والتوكل على الله .والتربية هي فن إعداد الطفل للحياة ، فن لأنها ممارسة عملية ولكن الفنون جميعاً تقوم على أسس علمية لذلك فإن التربية هي فن وعلم مادام الهدف هو إعداد الطفل للحياة.

وهناك من رجال التربية من يدعو إلى ترك الأبناء يتعلمون كل شيء من خلال طريقة التعلم المعروفة باسم المحاولة والخطأ ومعنى هذا أن يرفع الآباء أيديهم عن الأبناء في سن مناسبة ليمارس الأبناء بأنفسهم كل ما يتعلق بحياتهم سواء كانت شخصية أو غير ذلك، لكن الاستقلال الذي توفره هذه التربية مبالغ فيه وخطر على حياة الطفل وصحته والأجدر هنا أن نوفق بين ما تدعو إليه التربية الطبيعية وبين الالتزام الذي يتصف به بعض الآباء الذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة في شؤون أبنائهم ، وأيضاً ، هناك بعض علماء التربية أكدوا أنّ الجزاء بنوعيه الثواب والعقاب يؤدي دوراً هاماً في تربية الطفل ولكن الآباء يلجأون للعقاب أكثر من الثواب مع أن الثواب يعد حافزاً إيجابياً في كثير من المواقف ، بينما العقاب يعد حافزاً سلبياً وفي كل الأحوال يجب أن يتناسب الثواب والعقاب مع الفعل الطيب الذي قام به الطفل أو ما ارتكبه من ذنب لذلك عند إيقاع العقوبة يجب أن يتجنب الأبوان الانفعال وفي الوقت نفسه عدم المساس بكرامة الطفل، وبكل ما يؤدي إلى إذلاله، كما أنه يجب عدم توبيخ الابن عدة مرات على ذنب ارتكبه لأن الأبوين بهذه الطريقة يجعلان الطفل يعتاد التوبيخ ، والعادة تضعف الوجدان بمعنى أن الطفل سيقل ألمه من التوبيخ باعتياده عليه.

والتربية يجب أن يشترك فيها كلا من الأب والأم واحيانا ما يتدخل بعض أفراد الأسرة المحيطين بالطفل من الأعمام والأخوال واحيانا الجدود اذا اشتكى الوالدان من وجود بعض المصاعب والانحرافات في سلوك أبنائهم.

وقد استمعت إلى تجربة واقعية لجلسه عائليه جميله أعدتها احدى الجدات بعد أن استمعت من أبنائها كثرة المعاناه من مشاكل تربيه الأحفاد خصوصا في هذا العصر الذي انتشر فيه وسائل التواصل الاجتماعي من الفيس بوك والتويتر والوسائل الحديثه الأخرى وتهمش فيها دور الأسرة والمدرسه والمسجد واصبح الأولاد يستمدون معلوماتهم من النت واصبح المحظور مباحا بشكل كامل وانهارت المنظومه الأخلاقية في المجتمع واصبح الأصدقاء هم القدوه للأبناء والكل يقلد البعض ويتنافس مع البعض في المظهر والملبس والألفاظ المنفلته والخادشه للحياء واصبح شعور الأبناء الرغبه في الاستقلال عن الأهل والتمتع بكامل حرياتهم وعدم تدخل الأهل ولو من بعيد في شئونهم الخاصه بالرغم من اعتمادهم الكامل على الآباء واصبح سمة شباب العصر هو التمرد على كل القيم والقدوات في الحياة مما أدى إلى المشاجرات والتوتر في الأسر بين الآباء والأبناء ووجود الجفاء في المعاملات الأسرية.

ولذلك سعت الجدة إلى عمل خطة أعدت لها بعنايه لكي تألف بين قلوب الآباء والأبناء من خلال احدى الجلسات العائليه التي حرصت على التنبيه على الجميع بوجوب الحضور فيها وانها أعدت الهدايا للتوزيع ومن لن يحضر سوف يخسر نصيبه في الهدايا وطلبت من كل أم  أن ترسل لها بعض المعلومات والصفات الإيجابية في شخصيه كل ابن من أبنائها حتى لو لم تكن صفه مستمره وظاهره  في شخصيته.

وفي بدايه الجلسه تحدثت الجده عن  أن لكل إنسان مميزات وعيوب وهكذا خلق  الله الخلق جميعا وان الإنسان الناجح هو الذي يستطيع تنميه مميزاته باستمرار والمحاوله للتغلب على الصفات السيئه في شخصيته لان ذلك هو مفتاح النجاح

وعندما تحدثت عن الحفيد الأوسط قالت ان والدته تقول انه متسامح دائما ويسارع في عمل الواجبات ويساعد أخواته ، أما الحفيده الكبرى فان والدتها تقول عنها أنها تعتذر عندما تخطئ وتسارع في المساعده في أعمال المنزل و تساعد أخواتها في عمل وجبه العشاء اذا  تأخرت والدتها في العمل ، أما الحفيد الأصغر فانه يسارع في تنظيم مكتبه والكتب الدراسيه ولا يتأخر عن عمل الواجبات المدرسية

ثم تدخل العم وعرض مكافاه للأحفاد لمن يتحدث أمام الجميع ويظهر الأشياء والصفات  التي تحتاج للإصلاح فى شخصيته. وبعد فتره من الارتباك والخجل من الحديث وبعد الاستماع إلى قيمه المكافاه تجرأ الابن الكبير وقال انه يتمنى من الله ان يستطيع ان يبر والديه وان يحسن اليهم فانه يعلم انه كثيرا ما يكون على درجه من الجفاء ولا يبدي لهم حسن الخلق مما يؤدي إلى الشجار المستمر معهم

ثم تحدثت احدي الحفيدات قائله أنها تتمنى ان تستطيع أداء الفرائض الدينيه في أول الوقت وان تداوم على التحكم في انفعالاتها لأنها سريعة الانفعال والغضب

وعقب الجد على هذه الملاحظات بان الجميع يتعلم من الحياة كيف يصلح من ذاته وان الإنسان الكيس من دان نفسه قبل ان يدان ولذلك فان من يستطيع ان يصلح من ذاته ويدرك أخطائه ويعلم أنها أخطاء ولا يعاند ولا يكابر هو الإنسان الذى لديه الثقة بالنفس ولديه القدرة على الإصلاح وله الفرصة فى التقدم وبلوغ الدرجات العلا ، أما من يكابر ويعاند فانه يظل دائما فى مرحلة من الفشل وعدم الترقى فى الحياة.

****

من تلك الجلسات والحوارات الأسرية وتشجيع الأبناء وامتداحهم أمام المجتمع وإظهار الصفات الحميدة فيهم تقوى  شخصياتهم ويستبصر الأبناء بعيوبهم ويستطيع الآباء والأبناء ان يتقاربوا ويتفاعلوا مع بعضهم البعض بعيدا عن التأنيب والتوبيخ والشد والجذب. وكذلك فان  قوة العلاقات الأسرية بين الطفل ووالديه أو حتى أقاربه، خصوصا علاقته مع «الجد أو الجدة » اللذين لديهما الكثير من الحكمة والعطاء وحسن الرؤية وسعة الأفق والقدرة على تحمل الهفوات والتوجيه بالحكمة والهدوء دون كلل أو ملل دور هام في توجيه النشأ.

كذلك يمكن أن يكون للجد أو الجدة دور مهم في مرحلة المراهقة حين يبحث المراهق عن حضن محايد يأوي إليه فيجد الإصغاء والتخفيف - وهو ما يحتاج إليه كثيرا- ويجد التوجيه الأبوي عندما يكون منغلقا نفسيا عن سماعه من الأبوين

ليتنا نحاول أن نفهم كل منا الأخر ولا نقسو على الأبناء ولا يسارع الآباء بإلقاء التهم على الأبناء بانهم جيل فاسد منحرف ولا ينظرون إلى أن الله خلق الإنسان إنسان يخطئ ويصيب ويتعلم مع مرور الوقت ومع نضوج الشخصية ولم يخلقه ملاك والإنسان في الحياة يرتكب الكثير من الأخطاء ولكن مع الالتزام بالدين ومع التوجيه الحكيم من الأهل يصل إلى بر الأمان بإذن الله.



 

اذا كان لديك مشكلة وترغب فى عرضها على العيادة النفسية

سجل ايميلك لتصلك الاعداد الجديدة من مجلة النفس المطمئنة