هل وصلت للقاع؟

هل وصلت للقاع؟

اتصال فى وسط الليل من اخ عزيز يشغل موقع قيادى فى المجتمع يستنجد بى ان اغيثه من واقع مؤلم يعايشه منذ عدة سنوات ووصل به الامر الى شدة الاحباط والالم ويطلب منى المساعدة وحددت له موعدا للمقابلة فى صباح اليوم التالى  وفى الموعد المحدد حضر بصحبة ابنه الشاب البالغ من العمر عشرون عاما ودخل على الفور حجرة الكشف  حيث لم يرغب الوالد ان يراه أحد من المترددين على العيادة نظرا لموقعه المتميز فى المجتمع  وبدأ على الفور فى سرد المشكلة التى يعانى منها.

  • يا دكتور ارجوك انقذنى من هذه المشكلة التى حطمتنى وحطمت اسرتى.
  • خير ما الذى تشتكى منه
  • يا دكتور ابنى مدمن ..ابنى مدمن.

واخذ الاب يبكى بحرقه لدرجة لم يستطع بعدها مواصلة الحديث لعدة دقائق والابن ينظر بلامبالاة فى كل اتجاه ولا يبدى اى رد فعل لكلام الاب وبكاؤه

وهنا وجهت الحديث للابن:

  • منذ متى وانت فى هذه المشكلة.
  •  يا دكتور انا مش مدمن ..انا شاب زى كل الشباب جربت بعض الانواع.
  • ولكن الوالد مصمم انك فى مشكلة شديدة ويشير الى ان تلك المشكلة دمرت الاسرة ككل.
  • والدى دائما يبالغ ويشك فى ولا يصدقنى فى اى مناقشة أو تصرف ويرغب دائما فى التشهير بى وارسالى الى الاطباء والمصحات ..انا قضيت تقريبا نصف حياتى من مصحة الى أخرى بالرغم من اننى قلت له اكثر من مرة أننى لم أعد مدمنا ولكنى جربت فقط وأننى أستطيع التوقف فى أى لحظه اذا تركونى فى حالى.. للمرة الالف انا مش مدمن.
  • اذا كنت جربت كل شيء وتدهورت امورك الحياتية ولست مدمنا ! اذا فى تعريفك ما هو الادمان.
  • قل لى يا دكتور بزمتك انت ما هو الادمان ...هل كل من جرب عدة مرات هو انسان مدمن.
  • الادمان ببساطة هو تكرار تعاطي مادة أو أكثر من المواد المخدرة بشكل متكرر مما يؤدي إلى حالة اعتماد عضوي أو نفسي أوكليهما وظهور الأعراض الانسحابية في حالة الانقطاع والمقصود بالاعتماد العضوي هو تعود الجسم علي المواد المخدرة ليؤدي وظائفه وفي غياب تلك المادة تختل تلك الوظائف وينتج عنها أعراض انسحابيه جسدية نتيجة نقص المادة المخدرة وتكون علي شكل ألآم في المفاصل والعضلات والصداع وغيرها والمقصود بالاعتماد النفسي رغبة المدمن في الحفاظ علي الأحاسيس والمشاعر واللذة الناجمة عن التعاطي لضمان الاستقرار النفسي وتكون الأعراض الانسحابية النفسية هي:القلق والاكتئاب و الحساسية الشديدة والأرق وفقدان الشهية وفقدان الرغبة الجنسية.

وهنا تدخل الاب مرة اخرى وسأل:

  •  لماذا لا يستطيع المدمن التوقف عن التعاطى بالرغم من رغبته فى ذلك.
  • تبدأ رحلة جميع المدمنين من مرحلة  «الحفلة» حيث يشعر الشاب بالانتعاش ونشوة المخدر، مع توافر النقود ومصادر الحصول عليه، ويظن فى هذه المرحلة أنه قادر فى أى لحظة على التحكم فى نفسه والتوقف عن التعاطى، لكنه فى اللحظة نفسها يكون فى «القاع» وهى المرحلة التى تتزايد فيها نسبة المخدر بالجسد واعتماد خلايا الجسم على الجرعة.

وهنا وجهت للابن سؤال مباشر:

  • هل وصلت الى القاع؟.
  • ما هو القاع يا دكتور!!
  • المخدرات تجعل المدمن أكثر جرأة وتفاعلاً مع من حوله ولكنه لم لا يعلم أنه فى مرحلة «الحفلة»، وعندما يصطدم بواقع «القاع» والتحول إلى مدمن لا يستطيع العيش دون تناول الحبوب، التى يحافظ على معدلها بصرف ما يملكه هو واهله ، وفى النهاية تبدأ الروح في ملامسة القاع، ويصبح كل شيء في الحياة ميزانه الحقيقي ، هو الميزان الذي يوزن عليه التاجر جرامات المخدر.
  • اذا متى يستطيع ابنى الخروج من هذا المرض اللعين؟.
  • المدمن لا يرى الخسائر التى يعانيها طالما في إمكانه الحصول على تلك النشوة، إلى أن يصل إلى مرحلة القاع، تلك المرحلة التى يرى فيها المدمن نفسه الخسائر النفسية والجسدية والمادية التى أصابته، فينمو لديه توجه الإقلاع عن الإدمان.
  • يا دكتور انا ارسلت ابنى الى الكثير من المصحات وكان من يقوم على علاجه مجموعة من المدمنين السابقين!
  • الفريق العلاجي بالمصحات يحوى الطبيب النفسى والاخصائى النفسى والاخصائى الاجتماعى والمدمنين المتعافين واحيانا الواعظ الدينى.
  • ولكن ما فائدة المدمنين المتعافين في العلاج؟ اليس من الممكن ان يزيدوا من المشكلة!
  • يستعين الأطباء فى أحيان كثيرة بمدمنين متعافين تم شفاؤهم، لتقديم الدعم النفسى، إلى المرضى الخاضعين للمراحل الأولى من العلاج، حيث يصبح المتعافى عضواً مميزاً فى برنامج «NA» الذى تستخدمه مصحات العلاج، حتى يعلم المريض أسباب تعاطيه المخدرات والسلوكيات الإدمانية، حيث يدرب المدمنين فى مرحلة التعافى على عدة مهارات للتخلص من فكرة التعاطى التى تسيطر على أذهانهم، فضلاً عن نقل خبراته فى مجال التعافى وكيف وصل لحالته بعد مرور عدة سنوات ليصبح قائد مجموعة فى إحدى المصحات.
  • يا دكتور انا ادخلت ابنى عدة مصحات من قبل وكان يظل بها عدة ايام حتى يخرج  بعد ان يقسم لى انه تاب ولن يعود للإدمان  وبعدها بعدة ايام يعود لنفس المشكلة.
  • ابنك لم يستكمل البرامج العلاجية المناسبة للوصول الى الشفاء والاستقرار النفسى حيث  تنقسم مرحلة التعافى من الإدمان إلى مرحلتين الاولى هى مرحلة ازالة السمية من الجسم (ديتوكس) والثانية هى مرحلة  (هاف واى) ،وتبدأ مرحلة «ديتوكس» بتخليص المدمن من السموم وتعتمد هذه المرحلة بشكل كامل على الطبيب المعالج، الذى يتابع الحالة ويعطى المريض الدواء الملائم فى هذه المرحلة.وتأتى مرحلة «هاف واى» فى مرحلة لاحقة، حيث تعتمد أغلب المصحات الخاصة على المدمنين المتعافين فى المساعدة على شفاء المدمنين الخاضعين للعلاج، وذلك طبقا لبرنامج الـ12 خطوة المعروف بـ(NA)  أو دبلومة المدمنين المجهولين وهو برنامج عالمى تستخدمه أكبر المصحات العالميةكذلك من الهام في طريق التعافى من الإدمان الوصول الى التشخيص المزدوج وهو اكتشاف المرض النفسى الملازم للمدمن، وحيث  إن المرض النفسى للمدمن قد يكون سابقاً للتعاطى وسبباً فى المرض ويمكن أن يصاب بالمرض النفسى بعد تعاطى نوع معين من المخدرات.
  • وما هى المدة التى يحتاجها ابنى حاليا للوصول الى الشفاء بإذن الله ؟
  • من واقع حال ابنك يحتاج بضعة اشهر من العلاج الداخلى بالمصحة لتنظيم علاج متكامل للوصول الى بر الامان بإذن الله. 

 

اذا كان لديك مشكلة وترغب فى عرضها على العيادة النفسية

سجل ايميلك لتصلك الاعداد الجديدة من مجلة النفس المطمئنة